مراجعة رواية البداية والنهاية للكاتب نجيب محفوظ


 مراجعة رواية البداية والنهاية للكاتب نجيب محفوظ


تعد رواية “البداية والنهاية” واحدة من أبرز الأعمال الأدبية التي كتبها الأديب المصري نجيب محفوظ، صاحب جائزة نوبل في الأدب. صدرت الرواية في عام 1949، وتُعد من أهم رواياته التي تعكس الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في مصر خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية. من خلال هذه الرواية، يتناول محفوظ قضايا كبيرة مثل القدر، الأخلاق، الصراع الطبقي، والصراع الداخلي للإنسان.


ملخص الرواية:


تدور أحداث “البداية والنهاية” حول عائلة بسيطة تُعرف بعائلة “زينب” والتي تتكون من الأب “عبد الله” والأم “فاطمة” وأبنائها. أحد الأبناء، “أحمد”، هو الشخصية الرئيسية في الرواية. تبدأ الرواية بتسليط الضوء على التحديات التي يواجهها أحمد، الذي ينتمي إلى الطبقة الفقيرة ويسعى بكل قوته للارتقاء إلى حياة أفضل.


أحمد، الشاب الذي يمتلك طموحات كبيرة، يواجه صراعات عدة على المستوى الشخصي والاجتماعي. بين البحث عن الحياة الأفضل والضغوط الاجتماعية والاقتصادية، يُظهر أحمد سعيه للنجاح والنجاة من ضيق الحال. يحاول أحمد الهروب من واقعه عن طريق العمل الجاد، لكنه يقع في شباك الفساد الاجتماعي وتخلي العائلة عنه.


على الرغم من محاولاته المستمرة لتحقيق النجاح والعيش بشكل أفضل، إلا أن الشخصية الرئيسية تظل تعاني من الكثير من التحديات. الرواية تكشف عن الصراع الداخلي لأحمد، الذي يحاول تحقيق ذاته، وتبرز المواقف الإنسانية التي تمر بها شخصيات الرواية في محاولات مستمرة للبحث عن المعنى في الحياة.


الشخصيات:


تتمحور الرواية حول عدة شخصيات، أهمها أحمد، الذي يمثل الشخصية الرئيسية. أحمد هو الشاب الذي يواجه الصراع الداخلي بين طموحاته وبين واقعه المرير. وهو شاب طموح يسعى لتحسين وضعه الاجتماعي رغم الظروف الصعبة التي تحيط به. يجد نفسه في النهاية أمام مفترق طرق لا يستطيع الهروب منه.


كما تظهر شخصية “زينب” أخت أحمد، التي تجسد البراءة والأمل، وتُظهر شخصيتها تباينًا مع شخصية أحمد. كما يظهر “عبد الله” والد أحمد الذي يُظهر تفكيرًا تقليديًا، و”فاطمة” والدته التي تعكس الدفء العائلي ولكنها تكون في بعض الأحيان ضحية للواقع الاجتماعي القاسي.


الرمزية في الرواية:


من خلال “البداية والنهاية”، نجد أن نجيب محفوظ استخدم الرمزية لتمثيل الصراع الداخلي للإنسان. أحمد يمثل الأمل في بداية الرواية، ولكن مع مرور الأحداث تتكشف جوانب أخرى في شخصيته تظهر الصراع مع المجتمع ومع نفسه. الشخصية لا تسعى إلى تحقيق الطموح فقط، بل إلى السعي وراء المعنى الحقيقي للحياة. هذا يظهر بوضوح من خلال تغيرات شخصيته، وبحثه المستمر عن الخلاص من الواقع الاجتماعي القاسي.


إضافة إلى ذلك، تحمل الرواية الكثير من الرمزية حول السلطة الاجتماعية والسياسية التي تساهم في تشكيل حياة الأفراد، ومدى تأثير الفقر والجشع على الشخصيات. من خلال تتبع مسار الشخصيات، يُظهر محفوظ تناقضات المجتمع المصري في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية.


القضايا الاجتماعية في الرواية:


تتناول “البداية والنهاية” مجموعة من القضايا الاجتماعية المهمة التي كانت موجودة في مصر خلال الفترة التي نُشرت فيها الرواية. من أبرز هذه القضايا هو الصراع الطبقي بين الفقراء والأغنياء، وصراع الإنسان مع نفسه في ظل المجتمع التقليدي. يعرض محفوظ كيف يواجه الأفراد التحديات اليومية من فقر، فساد، وطموحات مستحيلة في ظل أوضاع سياسية واجتماعية معقدة.


تناقش الرواية أيضًا مسألة الأخلاق، وكيف أن الفرد قد يفقد مصداقيته بسبب ضغوط الحياة والمجتمع. في هذا السياق، يظهر كيف أن الطموحات الشخصية يمكن أن تقود الشخص إلى اتخاذ قرارات قد تتناقض مع القيم والمبادئ التي تربى عليها، وهو ما ينعكس على شخصية أحمد في النهاية.


الأسلوب السردي:


أسلوب نجيب محفوظ في “البداية والنهاية” يتميز بالعمق والتحليل النفسي لشخصياته. يكتب بأسلوب سردي تقليدي، ولكن مع تعمق في التفاصيل النفسية والعاطفية للشخصيات. اللغة بسيطة ومباشرة، ولكنها تحمل في طياتها أفكارًا فلسفية عن الحياة والموت، والتغيير الاجتماعي.


التركيز على الشخصية وتطورها الداخلي يعد من أبرز السمات التي تميز الرواية. يسير السرد بشكل خطي من خلال مراحل حياة أحمد، مما يجعل القارئ يرافق الشخصية في تطوراتها المختلفة، ويشعر بالصراع الداخلي الذي يعصف بها في كل مرحلة من مراحل حياته.


رواية “البداية والنهاية” هي واحدة من أهم أعمال نجيب محفوظ التي تسلط الضوء على قضايا إنسانية واجتماعية متجددة. من خلال الأسلوب السردي العميق والشخصيات المرسومة بعناية، يعكس محفوظ الصراع النفسي للإنسان في مواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية، ويعرض كيف يمكن للطموحات أن تصطدم بالواقع، وكيف يمكن للأخطاء أن تقود الإنسان إلى مواجهة مع نفسه.


إذا كنت من محبي الأدب الذي يتناول قضايا الإنسان في جوهره، ويرتكز على الأبعاد النفسية والاجتماعية، فـ”البداية والنهاية” هي بالتأكيد رواية يجب أن تُقرأ.

صالحة الالمعي
بواسطة : صالحة الالمعي
أقدم نفسي إلى القراء الأعزاء ككاتبة طموحة، قد شغفها القلم حُبًّا بدأت مشوار الكتابة منذ الصغر وخطوت خطوة جدية في عمر مبكر بدأت منذ 2016 مشواري، وكلي يقينٌ أني سأنشر يومًا ما كتابًا يكون صديقًا للقراء كافة. أترك هذه المدونة بين أيديكم على أمل أن تأخذ بها نحو مساعيكم الأدبية، أريد من كل قلبي أن ترتقي نصوصكم إلى توقعاتكم، ولكي يتألق الكاتب عليه أن يستوعب المعرفة ويمارسها؛ فتقرأ كلماته بعذوبة لا يكاد يطيق القارئ أن يرفع عينيه عنها، نص يشد أخر صفحة تسحب الأخرى حتى يتلقف بيديه كتابًا تلوى كتاب.
تعليقات