مراجعة رواية شجرتي شجرة البرتقال
رواية “شجرتي شجرة البرتقال” هي واحدة من أشهر أعمال الكاتب الفلسطيني الراحل غسان كنفاني، الذي يعد من أبرز الأدباء العرب في القرن العشرين. تم نشر الرواية لأول مرة في عام 1962، وتعتبر واحدة من أهم الأعمال الأدبية التي تناولت قضايا اللاجئين الفلسطينيين والهويات الممزقة التي نشأت بسبب النزاع العربي الإسرائيلي.
المحتوى:
تدور أحداث الرواية حول قصة الطفل الفلسطيني “جمال” الذي يعيش في مخيمات اللاجئين، بعد تهجير عائلته من فلسطين. حيث كان يعيش طفولة مليئة بالأحلام البريئة، ولكن هذه الأحلام تصطدم بواقع مرير بسبب الظروف القاسية التي يمر بها اللاجئون. يركز كنفاني على العالم الداخلي للطفل، مشيراً إلى المعاناة النفسية والتشويش الذي يعصف بالطفل جراء فقدان وطنه، مما يعكس عجزه عن فهم الأسباب العميقة للمآسي التي تحيط به.
جمال هو طفل حساس يتأثر بما يدور حوله من عنف وظلم وتشريد. ولكن في محيطه الضيق في مخيم اللاجئين، يجد ضوءًا في شجرة البرتقال. كانت الشجرة هي أمله الوحيد وملاذه في عالم مليء بالصراعات، فهي تمثل له رمزية للوطن المفقود والبراءة التي انقضت. الشجرة هي الرابط الوحيد الذي يشعر من خلاله جمال بالانتماء والارتباط بماضيه المفقود.
أسلوب السرد:
تتميز رواية “شجرتي شجرة البرتقال” بأسلوب سردي حزين وواقعي، حيث يتناول غسان كنفاني من خلاله جوانب الحياة اليومية للطفل الفلسطيني اللاجئ. يستخدم كنفاني لغة بسيطة، لكنه قادر على نقل مشاعر التشتت والفقد والظلم الذي يعانيه الطفل جمال. تتداخل فصول الرواية مع مشاهد من حياة اللاجئين الفلسطينيين في مخيماتهم، الأمر الذي يبرز التوترات النفسية الناتجة عن الحياة في منفى دائم.
يُعتبر أسلوب غسان كنفاني في الرواية معبرًا بشكل كبير عن معاناة شعبه، ويستخدم الرمزية بشكل فعال ليحمل مضمونًا عميقًا. شجرة البرتقال، على الرغم من كونها رمزًا للطفولة البريئة، تصبح لاحقًا رمزًا للفقد والفشل، مما يثير تساؤلات القارئ حول مفاهيم الهوية والانتماء والعودة.
الشخصيات:
جمال هو الشخصية المحورية في الرواية، وهو طفل يعيش بين براءته وآلامه التي يواجهها جراء تهجيرهم من فلسطين. تظهر من خلال جمال مشاعر التضارب والتشتت، حيث يعاني من فقدان وطنه، ويتأرجح بين الأمل في العودة إلى فلسطين وبين مرارة الواقع الذي يعيشه في المخيم.
المنطقة التي يعيش فيها جمال في المخيمات تصبح مسرحًا للمشاعر الإنسانية المتضاربة، إذ يجتمع الأطفال الفقراء مع قصص أمهاتهم وآبائهم الذين يواصلون الكفاح من أجل البقاء. ورغم قسوة الظروف التي يمر بها جمال، إلا أن هناك دائمًا شعاع من الأمل يظهر من خلال أحلامه وأشواقه للعودة إلى وطنه.
الرسالة:
رواية “شجرتي شجرة البرتقال” تحمل في طياتها رسالة عن معاناة اللاجئين الفلسطينيين وعواقب التهجير القسري. هي تعبير مؤثر عن الواقع الفلسطيني بعد النكبة، وتسلط الضوء على الذاكرة الجماعية للأجيال التي نشأت في المخيمات بعيدة عن وطنها. كما تعكس الرواية الفجوة بين الأمل والحقيقة التي يعيشها الأطفال في المخيمات، حيث يلعب الطفل دورًا مهمًا في تسليط الضوء على تناقضات الواقع المعيش.
الأثر على القارئ:
قراءة “شجرتي شجرة البرتقال” تجعل القارئ يعيش مع جمال في تفاصيل حياته اليومية، ويشعر بما يعانيه من فقدان الأمان والهوية. الرواية لا تقتصر على مجرد سرد لآلام شخصية واحدة، بل هي مرآة لكل الأطفال الفلسطينيين في المخيمات، الذين فقدوا كل شيء إلا الأمل.
من خلال تلك الشخصيات التي تكتب بصدق، تمثل الرواية دعوة للتفكير في قضايا اللاجئين الفلسطينيين وظروفهم الإنسانية المزرية، كما تحفز القارئ على الوقوف مع قضاياهم.
“شجرتي شجرة البرتقال” هي رواية حزينة وواقعية، وهي بمثابة شهادة إنسانية عن الشعب الفلسطيني، خاصة الأطفال الذين نشؤوا في مخيمات اللاجئين بعد النكبة. من خلال هذه الرواية، يستعرض غسان كنفاني ليس فقط مأساة التهجير، بل يفتح نافذة على القلب الفلسطيني، وعلى أحلام وآلام جيل كامل لا يزال يحن إلى وطنه. إنها رواية يجب على كل قارئ معرفتها ليتفهم أكثر معاناة وآلام الشعب الفلسطيني.