طائر الجناح الواحد
سأخبرك قصة شعور قصيرة عن طائر يولد بجناح واحد حيث لا يمكن له يومًا الطيران إلا أن يلتقي بطائر أخر، يشارك كل منهما بجناحه؛ فيتسنى لهما الطيران معًا، لذا يقضي عمره مختبأً بين الأعشاب وفي مطاردة دائمة مع الحيوانات، وقلبٌ راجفٌ خائف على أمل أن يلتقي بطائر أخر، يعد دقائق أوقاته الصعبة وكأنها أعوامٌ من الانتظار، حتى جاء ذلك اليوم الذي تحرك فيه القدر في مجرى الأمل ليلتقي بصديقه أثناء ساعات طويلة من الهرب من ابن عرس، رغم المشقة كانت لحظات لقاء ثمينة جعلت كل منهما يولد مرة أخرى في تلك الدقيقة وكأن كل ما مضى لم يكن، وعندها فقط قفزا معًا قفزتهما الأولى إلى أحد الأغصان المترنحة وما إن حطّ عليه حتى عبرت الرياح عبر ريشهما تهنئهما على الوصول، ليدفعا بسيقانهما النحيلة الغصن انطلاقًا ليشقا طريقهما لركوب الرياح وتقبيل السماء، طارا بفؤادين ينبضان بحرارة، ولم يكفيهما ذلك حتى ارتفعا يخترقان طبقات الغيوم ملوحان للشمس التي بادلتهما التلويح عبر اشعتها الذهبية، في منظر ساحر جعل نبضاتهما تتزامن وتدق ببطء في سعادة، قضيا خمس سنين جابها فيها معًا العواصف، ونوبات بكاء السماء، وحدة البرق الذي كان يجرح الغيوم، وبانقضائها ودون أن يدركا، حيث غمرهما الأمان تدحرجت عجلة القدر لتحكم بالنقيض، فينفصلا بعد أن كانا كجسد طائر واحد، ليفترقا بعد أن قال الأول
"وداعا يا صديقي"
بينما لم يقل الأخر شيئًا وظل صامتًا حتى بعد أن غادر صديقه، عندها عاد صديقنا الأول لنقطة البداية واستوطن غصنًا؛ ليراقب فيه بحزنٍ السماء، بينما انطلق الأخر برفقة طائرٍ أخر ليكمل رحلته متقلبًا في أحضان الرياح عائمًا برفقة الغيوم، إلا أنه أدرك بعد مدة أن السماء ليست السماء والغيوم فقدت بالنسبة إليه جمالها، وأدرك أن الطيران وحده لم يكن المغزى بل الطيران مع من يحب أي مع صديقه القديم، ليعود إلى الأرض باحثًا بشوق عن جناحه، إلا أنه لم يجد له أثرًا، وما إن تذكر أول غصنٍ التقيا فيه حتى ذهب إليه، ليجد في أسفله ريشات قديمة ورثه وعندما نظر من أين تسقط وجد صديقه مستقرًا، ولكنه انتبه للحظة أنه لم يعد باستطاعته الطيران؛ لأن الحزن أفقده بصره، لدرجة أنه لم يرى صديقه واقفًا أمامه!
لقد كان متأخرًا؛ فقد اجتاحت الحسرة قلبه وضعفت بنيته، ليقول الطائر الأعمى بصوت ثابت وبكل هدوء بعد أن أحس بدنو صديقه منه
" هل علي أن أكون أخر من يتحدث وأول من يبدأ؟"
تنهد الأخر بعمق بعد أن قضم الألم من قلبه، ليكمل الأول قائلًا
"لو أنك قلت وداعا أيضًا؛ لأنك بهذا انتيهت مني ولكني لم أنتهي منك"
من ثم قضى إلى جانبه أخر أيامه وبقي من بعده في مكانه حتى لحق هو الأخر به.