مخاوف الكتاب أثناء الكتابة

 



مخاوف الكتاب أثناء الكتابة

 كيف تؤثر الشكوك على الإبداع وكيفية التغلب عليها؟


الكتابة، سواء كانت قصيدة، رواية، مقالًا أو حتى مذكرات شخصية، هي عملية إبداعية تتطلب التفرغ العقلي والوجداني. لكن، وراء كل نص مكتوب، هناك غالبًا مخاوف وتحديات تساور الكتاب وتؤثر على قدرتهم على الإبداع بحرية. هذه المخاوف قد تتراوح بين الشكوك الذاتية حول جودة العمل، الخوف من الفشل، القلق من كيفية استقبال القراء للنص، وغيرها من الهواجس التي قد تعيق الكاتب عن إتمام عمله أو تطويره بالشكل الذي يطمح إليه. في هذا المقال، سنستعرض أبرز المخاوف التي يواجهها الكتاب أثناء عملية الكتابة، ونناقش الأسباب التي تؤدي إلى هذه المخاوف وكيفية التغلب عليها.


1. الخوف من الصفحة البيضاء: “عقبة الكاتب”


من أبرز المخاوف التي تواجه الكتاب، خاصة المبتدئين، هي “الصفحة البيضاء”. هذه المشكلة التي قد يواجهها الكاتب عندما يجلس أمام الورقة أو الشاشة ولا يستطيع أن يبدأ الكتابة. قد يشعر الكاتب، خاصة في بداية العمل الأدبي، وكأن عقله فارغ من الأفكار، أو أنه غير قادر على التعبير عن الفكرة التي يريد أن يكتبها. هذا النوع من الخوف يمكن أن يصبح حاجزًا كبيرًا يمنع الكتاب من إنتاج أي عمل جديد.


الأسباب:

• الضغط الداخلي: الكتاب قد يضعون على أنفسهم معايير عالية للغاية، مما يجعلهم يشعرون أن كل فكرة يجب أن تكون مثالية من البداية.

• الخوف من الفشل: يتخوف الكتاب من أن يكون النص الذي يكتبونه غير جيد أو لا يعبر عما يريدون، ما يعزز من الشكوك الداخلية ويجعلهم عالقين.


كيفية التغلب عليه:

• التنفس العميق والاسترخاء: من المهم أن يدرك الكاتب أن ليس كل شيء يجب أن يكون مثاليًا من البداية. يمكن للكتابة أن تبدأ بجمل بسيطة أو حتى كلمات مبدئية، ثم يتم تعديل النص لاحقًا.

• تحديد وقت مخصص للكتابة: يفضل تخصيص وقت محدد يوميًا للكتابة، بحيث لا يكون الضغط هو المسيطر، بل يمكن للكاتب أن يكتب بحرية، دون التفكير في النتيجة النهائية.

• كتابة المسودات دون مراجعة: قد يكون من المفيد الكتابة دون التفكير في النقد أو المراجعة في البداية. يمكن الكتابة بحرية وتحرير النص لاحقًا.


2. الخوف من الفشل: “هل سيحب الناس ما أكتب؟”


الخوف من الفشل يعتبر أحد أكثر المخاوف شيوعًا بين الكتاب. يمكن أن يكون هذا الخوف مدفوعًا بالقلق من ردود الفعل السلبية على العمل، أو حتى من عدم القدرة على نشره في الأساس. هذا النوع من القلق يعوق الكاتب عن المضي قدما في عمله، لأنه يفكر أكثر في كيفية استقبال الآخرين لنصه بدلاً من التركيز على الكتابة نفسها.


الأسباب:

• التوقعات العالية: الكتاب أحيانًا قد يتوقعون أن أعمالهم يجب أن تحقق نجاحًا كبيرًا أو أن تكون على مستوى عالٍ منذ البداية.

• التركيز على الجمهور: بعض الكتاب قد يكتبون متأثرين أكثر بما قد يقوله الناس حول نصهم، مما يعطل تدفق الإبداع.


كيفية التغلب عليه:

• التذكر أن الكتابة عملية: يجب على الكاتب أن يدرك أن الكتابة هي عملية تستغرق وقتًا، ولا أحد يحقق النجاح بين عشية وضحاها. العمل الذي قد يبدو في البداية غير مكتمل قد يتحسن مع مرور الوقت.

• النقد الذاتي الصحي: يمكن للكاتب أن يتعامل مع النقد بطريقة بناءة، من خلال تقييم نصه بشكل نقدي مع المحافظة على الثقة في نفسه.

• التركيز على الإبداع وليس على النجاح: يجب أن يركز الكاتب على التعبير عن أفكاره بحرية دون الخوف من النتائج. عندما يتم التركيز على الإبداع، يصبح القلق من الفشل أقل تأثيرًا.


3. الخوف من النقد: “ماذا لو لم يحب القراء ما أكتب؟”


بعد الانتهاء من الكتابة، يأتي التحدي الأكبر وهو نشر العمل ومشاركته مع الآخرين. الخوف من النقد هو خوف شائع بين الكتاب، إذ يترقبون ردود فعل الجمهور، وقلقهم من أن يتم تقييم عملهم بشكل سلبي.


الأسباب:

• الشعور بالتهديد: الكتاب غالبًا ما يضعون جزءًا كبيرًا من شخصياتهم في أعمالهم، وبالتالي فإن النقد يمكن أن يبدو لهم تهديدًا مباشرًا لهويتهم.

• الخوف من التقليل من القيمة الأدبية للعمل: عندما يواجه الكتاب نقدًا لعملهم، قد يشعرون أن هذا يشير إلى فشلهم في مهمتهم الأدبية.


كيفية التغلب عليه:

• النقد جزء من العملية: يجب أن يدرك الكاتب أن النقد جزء طبيعي من عملية الكتابة. ليس كل قارئ سيحب النص نفسه، ولا يجب أن تؤثر آراء البعض في الثقة بالنفس.

• التفكير في النقد بشكل إيجابي: يمكن أن يكون النقد فرصة لتحسين العمل وتحقيق نمو أدبي. حتى النقد السلبي يمكن أن يكون له قيمة إذا تم قبوله بشكل موضوعي.

• الاستماع إلى النقد البناء: التوجه إلى الأشخاص الذين يقدمون نقدًا بناء ومحترمًا يمكن أن يساعد في تطوير العمل.


4. الخوف من عدم الإلهام: “كيف أستطيع العثور على فكرة جديدة؟”


بعض الكتاب قد يشعرون بالقلق عندما يواجهون فترة جفاف إبداعي، حيث يصعب عليهم العثور على أفكار جديدة لكتابة نصوصهم. هذا يمكن أن يكون محبطًا، خاصة إذا كانوا معتادين على التدفق الإبداعي المتواصل.


الأسباب:

• التكرار: قد يشعر الكاتب أنه يعيد استخدام نفس الأفكار مرارًا وتكرارًا، مما يؤدي إلى إحساس بالاستنفاد.

• الضغط لإيجاد فكرة كبيرة: أحيانًا يكون الكاتب في حاجة إلى فكرة ضخمة أو استثنائية، وهو ما يزيد من الضغط النفسي.


كيفية التغلب عليه:

• الاستراحة والابتعاد عن الكتابة: أحيانًا يكون أفضل حل هو الابتعاد قليلاً عن الكتابة والقيام بشيء آخر يحفز الإبداع، مثل القراءة أو مشاهدة فيلم.

• التجريب والتغيير: يمكن للكاتب أن يخرج من منطقة الراحة الخاصة به ويجرب كتابة نوع مختلف من الأدب أو الكتابة عن موضوع غير مألوف.

• التدوين المستمر للأفكار: يمكن للكاتب تدوين الأفكار التي تتبادر إلى ذهنه طوال اليوم، مما يساعد في تحفيز الإبداع ويسهم في إيجاد أفكار جديدة.


5. الخوف من عدم الكمال: “هل ما أكتبه جيد بما يكفي؟”


من المخاوف الشائعة بين الكتاب هو الرغبة في الوصول إلى الكمال، وهو ما يمكن أن يعرقل عملية الكتابة. في هذه الحالة، يصبح الكاتب مشغولًا بالبحث عن النص المثالي بدلاً من المضي قدمًا في العمل.


الأسباب:

• المثالية: بعض الكتاب يضعون على أنفسهم معايير غير واقعية ويتوقعون أن كل جملة أو فكرة يجب أن تكون مثالية من البداية.

• الخوف من الأخطاء: هناك خوف دائم من ارتكاب الأخطاء في الكتابة، سواء كانت أخطاء لغوية أو أخطاء في البناء الأدبي.


كيفية التغلب عليه:

• قبول عدم الكمال: يجب على الكتاب أن يتقبلوا فكرة أن الكتابة لا تكون مثالية دائمًا من البداية. يمكن دائمًا تعديل النصوص بعد اكتمالها.

• التركيز على التقدم بدلاً من الكمال: بدلاً من التركيز على كتابة كل جملة بشكل مثالي، يمكن للكاتب أن يركز على تطوير النص بشكل تدريجي حتى يصل إلى الشكل الذي يطمح إليه.


تعد المخاوف أثناء الكتابة جزءًا طبيعيًا من عملية الإبداع، ولكن عندما تصبح هذه المخاوف حواجز أمام الكتاب، فإنها قد تؤثر على قدرتهم على إتمام أعمالهم. من خلال فهم هذه المخاوف وتقبلها، يمكن للكتّاب أن يتعلموا كيفية التعامل معها والتغلب عليها. الكتابة ليست مجرد عملية إنتاج كلمات على الورق، بل هي رحلة شاقة تتطلب الصبر، المثابرة، والشجاعة لمواجهة الشكوك الداخلية والمخاوف. ومن خلال هذه الرحلة، يمكن للكتاب أن يطوروا أنفسهم ويخلقوا أعمالًا أدبية مؤثرة تحمل بصمتهم الفريدة.

صالحة الالمعي
بواسطة : صالحة الالمعي
أقدم نفسي إلى القراء الأعزاء ككاتبة طموحة، قد شغفها القلم حُبًّا بدأت مشوار الكتابة منذ الصغر وخطوت خطوة جدية في عمر مبكر بدأت منذ 2016 مشواري، وكلي يقينٌ أني سأنشر يومًا ما كتابًا يكون صديقًا للقراء كافة. أترك هذه المدونة بين أيديكم على أمل أن تأخذ بها نحو مساعيكم الأدبية، أريد من كل قلبي أن ترتقي نصوصكم إلى توقعاتكم، ولكي يتألق الكاتب عليه أن يستوعب المعرفة ويمارسها؛ فتقرأ كلماته بعذوبة لا يكاد يطيق القارئ أن يرفع عينيه عنها، نص يشد أخر صفحة تسحب الأخرى حتى يتلقف بيديه كتابًا تلوى كتاب.
تعليقات